الضحية .. بقلم عماد حنا


في كل عام وفي فترة زمنية محددة يتغير شكل الحياة في الأسكندرية، أنه موسم اللحمة، لذلك نرى أعداد هائلة من الخراف قد بدأت تتجمع في سرادقات وأمام محلات الجزارة، وعلى الرغم من الحالة الأقتصادية البشعة التي تمر بها البلاد  والتي لا تبشر بإقبال الناس على اللحوم إلا أن الجزارين لم يقصروا في إحضار الحيوانات الحية إلى دكاكينهم. لماذا؟، لأن الجزار يثق تماماً أن الزبون سوف يشترى حتى لو باع أثاث بيته في سبيل أن يحصل على اللحمة. 

وهذا طبيعي فالأمة الإسلامية في هذا التوقيت السنوي أعتادت أن تحتفل بعيد من نوع خاص، وهو عيد الأضحى، وهذا العيد فيه تقدم الذبيحة كما قدم إبراهيم الخروف عوضا عن ابنه اسحق (بحسب الكتاب المقدس) وإسماعيل (بحسب الفكر الإسلامي). 

ذكرى جميلة، وتساءلت وهل سيستطيع الناس شراء هذه اللحوم، فقالوا انه نوع من الطقس الديني، لذلك يجب على المسلم الحقيقي أن يشتري الخراف ويذبح ويأكل ويعطي الفقراء أيضا من أهل بيته ومن جيرانه. 

وسألت .. ماذا ينتظر المُحتفل بالعيد من تقديم هذه الذبيحة؟ وهل تقدم إلى الله أم إلى الناس؟ 
واختلفت الإجابات… البعض قال إنها "فدوى" ولم أفهم معنى الكلمة ولا من قالها فهم معناها لأنه قال علشان ربنا يسترها معانا وما إلى ذلك. 

وإجابة أخرى أنها مجرد "ذكرى" لرجل افتداه الله من الموت وهذا الرجل له مكانة خاصة في أمة العرب. 

وإجابة ثالثة أنه "العيد"، وهكذا نفعل في العيد. 
***
وسألني أحد الأصدقاء المسلمين… 

-  لماذا لا تمارسون هذه الإحتفالية، على الرغم من وجود هذا الرمز في الكتاب المقدس؟
وللرد على هذا السؤال رجعت للكتاب المقدس، ناظراً إلى النص الموجود في سفرالتكوين الذي من خلاله قدمت الذبيحة بواسطة ابراهيم, وهذا هو النص: 

"فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: هأَنَذَا» فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي »فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى  (تكوين 22: 10-14).

وبناء على النص … هناك ثلاث أفكار أود أن نفكر بها. 

 أولاً: أول ذبيحة كانت مقدمة من الله للناس وليس العكس!!    ولكن بالطبع ليس بهدف العبادة، ولكن بهدف الستر، نقرأ في سفر التكوين "وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا." (تكوين 3: 21) وبالطبع نحن نفهم من هذا الأمر أن الله ذبح حيوان لكي يقدم الرداء لآدم. ومن هنا نستطيع أن نتعلم أول درس في هذه الذبيحة أنها صُنِعت بهدف علاج الشعور الإنساني بالعري .. ذلك الشعور الذي ظهر كنتيجة مباشرة وسريعة للخطية، فقدم الله له الكساء .. الله أراد أن يستر عري الإنسان, ويستر شعوره بالخجل بعد الخطية. 

عندما فكر آدم في إخفاء عريه إستخدم طريقته هو فصنع من ورق التين رداء، لكنه لم ينجح في أن يستر عريه أمام الله، إذ أنه قال عندما أراد الله أن يواجهه: "أَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ" (تكوين 3: 10) فهرب من وجهه. فأعطاه الله االحل الأمثل، إذ أن أوراق التين لا تستر. والحل الإلهي دائما أفضل من الحل البشري. 

تعليق لابد منه
هل الخطية تشعرك بالخزي والعار أمام نفسك وأمام الله… الجأ إليه فيستر عريك هو الوحيد الذي يستطيع أن يقوم بهذه المهمة. 

ثانيا: الذبيحة الثانية قدمت من عبيد الله إليه حتى يستنشقوا رائحة رضى!
نقرأ "وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا.
فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ" (تكوين 4: 4)  ولكننا نلاحظ أن هذا القربان على الرغم من أنه ارضى الله إلا انه كان وقتياً، فكلما يقترف الإنسان الخطية سرعان ما يشعر بالعري والخجل، فيكون على الإنسان تكرار هذا الأمر حتى يشعر دائما بالرضى الالهي، إذاً فالأمر أكبر من مجرد ذبيحة ترضي الرب وقتيا، بل هناك شيء آخر نحتاجه.  

ثالثا: الذبيحة الثالثة منها تعلمنا البدلية مخلوق برئ يموت مقابل مخلوق آخر محكوم عليه بالموت 
وهنا يأتي دور قصة ابراهيم وإسحق، الموجود في سفر التكوين أصحاح22: 9-14وهي قصة ابراهيم واسحق، وموت الكبش كبديلاً عن حكم الموت الصادر ضد إسحق. 
وهنا أيضا نجد أن الله هو الذي دبر هذه الذبيحة للإنسان وليس الإنسان من دبر الذبيحة، لأنه أراد أن يعلم الإنسان أنه هو مصدر كل محاولة خلاص من الموت.  

هذه الأفكار الثلاث تجعلنا نؤكد أنه ينبغي علينا أن نحتفل نحن أيضا بهذا العيد الكبير، ونقدم الذبيحة فلماذا لا نفعل؟ 

أن هذه الذبيحة كانت صورة لعمل متكامل قام به الله، هذا العمل المتكامل أنهى عملية التكرار المتوالي للذبائح بحثاً عن الرضى الألهي 

 ويصف لنا الرسول بولس هذا الأمر في رسالته إلى أفسس اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ ­ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُون وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، (أفسس2: 4-6)
الوسيلة التي يقدمها الله يكون حلها نهائي وجذري عكس الحلول المقدمة من قبل الناس. وهذا الحل يسميه الكتاب المقدس الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح… هذا الخلاص ليس خلاص من ضيقه أو من عدو أو من أزمة مالية، ولكنه خلاص من مشكلة الموت،  وهذا الخلاص هو تدبير أزلي من خلال تجسد الكلمة. 

لنقرأ هذا النص الهام الذي كتبه كاتب الرسالة الى العبرانيين "وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ، وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! وَلأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ ­ إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ ­ يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ. لأَنَّهُ حَيْثُ تُوجَدُ وَصِيَّةٌ، يَلْزَمُ بَيَانُ مَوْتِ الْمُوصِي. لأَنَّ الْوَصِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَوْتى، إِذْ لاَ قُوَّةَ لَهَا الْبَتَّةَ مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا. فَمِنْ ثَمَّ الأَوَّلُ أَيْضًا لَمْ يُكَرَّسْ بِلاَ دَمٍ، لأَنَّ مُوسَى بَعْدَمَا كَلَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِكُلِّ وَصِيَّةٍ بِحَسَبِ النَّامُوسِ، أَخَذَ دَمَ الْعُجُولِ وَالتُّيُوسِ، مَعَ مَاءٍ، وَصُوفًا قِرْمِزِيًّا وَزُوفَا، وَرَشَّ الْكِتَابَ نَفْسَهُ وَجَمِيعَ الشَّعْبِ، قَائِلاً: «هذَا هُوَ دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي أَوْصَاكُمُ اللهُ بِهِ».

 وَالْمَسْكَنَ أَيْضًا وَجَمِيعَ آنِيَةِ الْخِدْمَةِ رَشَّهَا كَذلِكَ بِالدَّمِ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ! فَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تُطَهَّرُ بِهذِهِ، وَأَمَّا السَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا، فَبِذَبَائِحَ أَفْضَلَ مِنْ هذِهِ. لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا. وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ إِلَى الأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ. فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَارًا كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ. وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ، هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ" (عبرانيين 9: 11-28) 
من هذا النص الكتابي نرى أن المسيح هو البديل الأساسي الذي حل محل كل واحد فينا. 

هو المسيح إذن، ولكننا نجد أنفسنا أيضا نموت فهل هو حل مؤقت؟ بالتأكيد لا… لأن المسيح قال عن نفسه "أنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا (يوحنا 11: 25) وقد قدم المسيح الدليل عن هذا الأمر إذ قام هو من الأموات ليكون بكرا لكثيرين، فأعطانا الدليل على شمولية عمله وأيضا على اكتماله 
والآن بعد أن تجمعت لدينا كل هذه الحقائق ماذا نفعل إذن؟ سأقدم لك ثلاث خطوات مقترحة:
1.الخطوة الأولى: يقول النبي داود في مزموره الشهير "يَا رَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ، فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ (مزمور 51 : 15-17) وهنا نجد أنه علينا أن نتقدم إلى الله بقلب منكسر معترفين بخطايانا وعدم استحقاقنا  لنوال نعمته وإحسانه. أن هذا أفضل من الذبيحة ولحم الكباش، ونستطيع من خلالها أن نستنشق رائحة رضي الرب. 

2. الخطوة الثانية أن نقبل عمله الذي عمله لأجلنا فيقول كاتب الإنجيل الرابع "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 1: 12)، ذلك القبول لعمل الذي يغير من طبيعتنا ومن حياتنا بالكامل. فنصير شركاء للطبيعة الإلهية  إذ نكون أبناء لله. هكذا وعد الكتاب المقدس. 

3.بعدها نصل إلى خطوتنا الثالثة، فنستطيع أن ننال البركات المقدسة، إذ نصير من ضمن عائلة الله وكنيسة المسيح، لنا دور في هذه الكنيسة، وهذه العائلة. لن نحتاج إلى دم تيوس فيما بعد لأن عمل المسيح كامل. نقرا ما حدث في سفر التكوين ذلك السفر الذي علمنا بداية الذبيحة ونشكر الله الذي جاء في ملء الزمان لكي يفتدينا من لعنة الخطية ومن حكم الموت. له كل المجد إلى الأبد.آمين